اللغات و اللهجات السورية

اللغة الآرامية.. انطلقت من سوريا لتكون اللغة الرسمية لأكبر إمبراطوريات الشرق القديمة

اللغة الآرامية هي من اللغات السامية الشرق أوسطية، انطلقت مع قيام الحضارة الآرامية وسط سوريا، تعود بداياتها للقرن العاشر قبل الميلاد، وباتت اللغة المسيطرة في القرن الخامس قبل الميلاد بعد صعود الإمبراطورية الآشورية الحديثة، ويجمع المؤرخين على أن اللغة الآرامية هي لغة السيد المسيح وتلامذته، وتأثرت بها اللغة العربية والعبرية والفارسية واليونانية واللاتينية.

أصل اللغة الآرامية ومراحل انتشارها

الآراميون ينتسبون طبقًا للكتابات الإنجيلية إلى حفيد النبي نوح الذي يُدعى آرام، وقد بدؤوا كمجموعة بدوية صغيرة، لكنهم كانوا دائمي الترحال، وبحلول القرن الحادي عشر قبل الميلاد استطاعوا الوصول إلى حكم مناطق شاسعة في بلاد ما بين النهرين، وشملت سيطرتهم مناطق عدة في العراق وسوريا وتركيا حاليًا، ومن ضمن هذه المناطق كانت مدينة بابل نفسها لفترة قصيرة من الزمن عام 911 قبل الميلاد، ثم أزاحهم الأشوريون عن السلطة وكانوا يتحدثون لغة تُدعى الأكادية. لكن بعد ذلك ساعد الأشوريون بغير قصد في انتشار وهيمنة اللغة الآرامية على حساب لغتهم الخاصة.

تم ذلك عندما أبعد الأشوريون متحدثي الآرامية بعيدًا عن العاصمة إلى مصر وعدة مناطق أخرى. وربما ظن الآشوريون أنهم بذلك يُطهرون مناطق نفوذهم من كل من لديه القدرة على منافستهم، لكن ذلك كان بمثابة النفخ في حبوب اللقاح الضعيفة بعيدًا عنهم ظنًا منهم أنهم بذلك يدمرونها، لكنهم كانوا في الحقيقة يساعدونها على الانتشار. وتبعًا لذلك فقد انتشرت تلك الحبوب الضعيفة ثم نمت ووطدت نفسها بعد ذلك كلغة للسلطة وللتواصل المشترك بين مختلف الثقافات في بابل وما حولها.

فسرعان ما كان الناس يتعلمون الآرامية من المهد، ولم تعد الآرامية في العاصمة فقط بل انتشرت في كل الهلال الخصيب؛ ممتدة من إيران مرورًا بشمال الجزيرة العربية وحتى مصر. حتى إن الأشوريين وجدوا أن من الأسهل تبني الآرامية كلغة رسمية بدلًا من فرض الأكادية.

ولهذا السبب كان المسيح وباقي اليهود يتحدثون الآرامية، ولهذا أيضًا كان هناك العديد من الأجزاء في الإنجيل العبري مكتوبة بالآرامية. فاللغتان في الحقيقة من نفس شجرة اللغات السامية. لقد كانت الآرامية هي اللغة المهيمنة لدرجة أن مؤلفي الإنجيل افترضوا أنها ستكون معروفة لكل المُخاطَبين. أما العبرية فكانت لغة محلية بالنسبة لهم.

انتشرت الآرامية في مساحات كثيرة حتى في الأماكن التي لم يتحدث بها أحد، وذلك عن طريق أبجديتها، والتي اعتمدت عليها كل من العبرية والعربية فيما بعد. وفي الوقت الذي فازت فيه الإمبراطورية الفارسية بلعبة الكراسي الموسيقية في بلاد ما بين النهرين، كانت الآرامية منتشرة للغاية لدرجة أنه كان من الطبيعي الإبقاء عليها كلغة الإمبراطورية الرسمية بدلًا من استخدام الفارسية.

وبالنسبة للملك داريوس كانت الفارسية تُستخدم فقط للعملات وللنقوش على المنحوتات الصخرية الرائعة لوجهه. بينما كانت الإدارة اليومية تتم باللغة الآرامية، والتي – على الأغلب -لم يكن هو نفسه يتحدث بها. فكان يُملي الخطاب بالفارسية ويترجمها الكاتب للآرامية، ثم يترجمها كاتب آخر عند وصولها لغايتها للغة المحلية المُستخدمة. وكان هذا إجراءً مُتبعًا مع كل المناطق ذات اللغات المختلفة في كل أنحاء الإمبراطورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى